المسرح الجامعي .. ضرورة تربوية وتعليمية
د.باسم الأعسم
كلية الفنون الجميلة
تشكل الخطابات الثقافية والفنية ضرورات تربوية وتعليمية ، وِبضمنها المسرح بوصفه خطاباً ثقافياً ومعرفياً ، ولما كان المسرح الجامعي نمطاً من الخطابات التي تحيا وسط بيئة كالمؤسسة الجامعية التي تعنى بالتربية والتعليم ، فلا مناص من انعاش هذا اللون من العلم الإنساني (المسرح) الذي يقف إلى جانب العلوم الصرفة في ضخ المزيد من المعارف والأفكار والرؤى باتجاه تحقيق البناء الأخلاقي والعلمي والتربوي السليم للأجيال .
ولقد أثبتت الوقائع أنّ المسرح من أكثر الفنون تأثيراً في نفوس المتلقين على تباين أذواقهم ، وثقافاتهم ، وانحداراتهم الطبقية بوصفه يعتمد على الاتصال الحيوي المباشر ، ومن ثم يتوفر على المتعة والتعليم إذا ما اتحف بنصوص درامية محكمة البناء ، تكرس موضوعاتها لهذا النوع المسرحي ، أي التصدي لمشكلات وتطلعات الطلبة والأساتذة وممن هم ضمن فضاء الجامعة ، مع أهمية الإنتفاح على الهموم والمشكلات الواقعية المعاصرة .
ولا يمكن للمسرح الجامعي أن تترسخ جذوره في المؤسسة الجامعية من دون توفر مخرجين مختصين يقنعون الآخر بصحة توجهاتهم ، ونبل رسالتهم ، وروعة عروضهم المسرحية ، لكي تتحقق أسمى مراتب الاستجابة الجمالية والوجدانية والفكرية مع الآخرين جمهوراً ومسؤولين ومتذوقين ونقاداً ومختصين .
ويتفرد المسرح الجامعي بخصائص مائزة تجعله مختلفاً في نواح كثيرة ، فضلاً عن جدواه الثقافي ، وفي ظل الدعم المالي الكبير الذي تقدمه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى الجامعات بوصفها مؤسسات تعليمية وتربوية تعنى بإنتاج الفن ، والفكر ، والذوق ، والثقافة إلى جانب الأبحاث العلمية ، مما يستوجب الأمر تأهيل البنى التحتية الباعثة على النشاط الثقافي والفني بحيث يوازي ذلك الجوانب التعليمية والتربوية على حد سواء .
ومن ابرز هذه البنى التحتية ، بناء المسارح والمراكز الثقافية ، والقاعات التي تستخدم لأغراض شتى ، كيما تطوع لمقتضيات الفن والثقافة والأدب والعلم . في بعض الجامعات لا سيما حديثات النشأة يوجد فيها فنانون ، لكن دون مسارح ذات فرق فنية تتولى مهمة تقديم العروض المسرحية ، وهذه مشكلة بحد ذاتها ، تقف حائلاً دون تطور الحركة المسرحية في الجامعات ومنها : المسرح الجامعي الذي لا يقل أهمية عن سائر المسارح ، فهو مسرح نوعي وجمهوره خليط يكاد يكون متجانساً ، كما هو مسرح الطفل وهذا الأمر يسهل عملية التلقي المسرحي الباعثة على الاستجابة الجمالية والفكرية والوجدانية .
وتكاد تتلخص اشكالية المسرح الجامعي بشكل عام في ثلاثة عناصر وكالآتي :- ( انعدام البنى التحتية (بناء المسارح ) وشحة الكادر الفني وأزمة النص المسرحي ) .
في الجامعات التي فيها كليات للفنون الجميلة ، يقع العبء عليها في تقديم العروض المسرحية والمعارض التشكيلية ، والجلسات النقدية والمؤتمرات المسرحية ، وربما تقدم تلك الفعاليات ضمن كلية الفنون – حصرياً – من دون أن تأخذ مداها الواسع بحيث تقدم عروض المسرح الجامعي في سائر كليات الجامعة ، والتي ينبغي أن يكون فيها مسرحاً ، وفرقة مسرحية في كل كلية ، لكي يرتقي المسرح الجامعي ، مع يقيننا أنّ ما هو سائد ومتعارف عليه الآن ، هو عروض مسرحية وليست مسرحاً جامعياً ، بكل ما يعنيه هذا المصطلح من دلالة .
(1)
وهذه إشكالية لم تزل قائمة ، إذ أنّ أغلبية العروض المسرحية تقدم عبر المراكز الثقافية أو كليات الفنون في الجامعات أما الجامعة التي تفتقر إلى كلية للفنون الجميلة ، فيكاد النشاط المسرحي فيها يكون منعدماً .
وإلى جانب الإشكاليات الواردة في متن ورقتنا هذه ، تبرز لنا إشكالية اخرى تفوق الاخريات من حيث طبيعتها ، إذ لا يمكن للفن عامة ، والمسرح خاصة ، أن يزدهر في الجامعات ، ما لم يوجد من يؤمن بالفن كشكل حضاري والمسرح كوسيلة ثقافية ، وابداعية ، يمكن لها أن تلعب دوراً خطيراً في بث الوعي الفني والثقافي والمعرفي ، ومن ثم ازاحة القيم المتخلفة من عقول الطلبة وطرح بدائل عنها ذات طبيعة موضوعية .
ومصداقاً لهذا الرأي ، اسرد مثالاً واقعياً في جامعة القادسية وعقب السقوط مباشرة حينما انتخبت عميداً لكلية الآداب ، شرعت على الفور ببناء مسرح يستوعب (150) متفرجاً وقدمنا على خشبته عروضاً مسرحية في زمن لم يفكر احداً بالفن والثقافة والمسرح ، حيث التدهور الأمني .
ولا يمكن إدامة حركة المسرح الجامعي ، إذا لم تتوفر المسارح المناسبة فبالامكان توظيف الفضاءات المفتوحة ، وبضمنها المساحات الرياضية ، وواجهات الكليات ، والاقسام ، لا سيما وأن الأوقات الملائمة لتقديم العروض المسرحية في اشهر الصيف والربيع والخريف ، وربما يكون المسرح الصيفي بديلاً ناجحاً لمسرح العلبة ، أو المسرح المغلق .
وكذلك الازياء والإضاءة ؛ إذ يمكن الاخذ بنظرية المسرح الفقير، فالمهم هو الحدث مع المعالجة التي تسمو بالحدث ، لا سيما وأن الدراما منذ ارسطو تعنى بالحدث الذي يعبر عن السلوكيات المتضادة ، إذ أن الدراما وثيقة الصلة بالشخصية وسلوكها عبر الحوار بل (هي لغة السلوك وليست لغة السرد والاختلاف الجذري بين الدراما وسائر الاشكال الفنية هو انها الدراما تقوم على الحدث الذي يتم خلقه عن طريق الحوار على حد قول سمير سرحان ).
وبما أن المحيط الجامعي يعد منبعاً ثراً لأنواع السلوكيات المختلفة ، فهذا يوفر للدراما رصيداً مضمونياً هائلاً ، إذا ما توفر الكاتب المسرحي الماهر الذي يستوحي من ذلك المحيط موضوعات تتصل بحياة الأفراد الذين يمثلون شرائح الأساتذة والطلبة والموظفين على حد سواء ، كالموضوعات العلمية والثقافية والتربوية والأخلاقية .
فضلاً عن نقد الظواهر السلوكية الشائنة ، وبالامكان توظيف المسرح الجامعي لمسرحة المواد الدراسية وتقويمها ، لذلك (قام رجال الكنيسة في العصور الوسطى بدعم مسرحيات الاسرار والأخلاق كوسيلة لإدماج رسالة الكتاب المقدس ….. ولهذا السبب احتل النشاط المسرحي المدرسي مكاناً رئيساً في مناهج التعليم في عصر النهضة كما يرى جوليان هلتون ).
على وفق هذا المفهوم ، يمثل المسرح الجامعي ضرورة تربوية وتعليمية لا غنى عنها ، ويكتسب أهميته اكثر حينما يصار إلى تأسيس فرق مسرحية في جميع الكليات ، لكي يسهم هذا الكم في بناء نظام (الربرتوار) المسرحي أي توفير اعداد مسرحية تقدم على طول السنة الدراسية ، ومن ثم يصار الى اختيار عدداً من تلك العروض لتقدم ضمن موسم مسرحي مناسب ، كأن يكون في مناسبة يوم المسرح العالمي كمحفز لتعريف الآخرين بهذه المناسبة ولدعم الحركة المسرحية في فضاء الجامعة ، ومن ثم تعميق اواصر صلة الجامعة بالمجتمع عبر المسرح الجامعي ، إذ تشاد على وفق ذلك النشاط المسرحي اسمى تجليات العلاقة الثقافية بين الجامعة بوصفها صرحاً علمياً وثقافياً ، وبين المؤسسات التي تعنى بالشأن الثقافي وبضمنها منظمات المجتمع المدني ذات الصلة بالثقافة والفن .
(2)
على وفق ما تقدم نوصي بالآتي :
- بناء مسرح في كل كلية ليتسنى للمبدعين المسرحيين تقديم عروضهم المسرحية .
- تدريس مادة (المسرح الجامعي ) لدى طلبة السنة الاولى بقصد تثقيفهم ومن ثم حثهم على المشاركة في فرق المسرح الجامعي وتأهيلهم للقبول في كليات الفنون والتربية الفنية . .
- اعتماد المسرح الجامعي وسيلة لتطبيق المواد الدراسية وتجسيدها بشكل فني جذاب .
- تعيين مستشار ثقافي لكل رئيس جامعة يتولى مهمة الاشراف ودعم المسرح الجامعي .
- اصدار جريدة أو مجلة تعنى بشؤون المسرح الجامعي .
- اجراء مسابقة دورية لكتابة افضل النصوص المسرحية مع تخصيص جائزة مادية للفائزين .
- تبادل العروض المسرحية بين الجامعات لتعميق أواصر الصلة بينها .
- اقامة مهرجان مسرحي سنوي في يوم الجامعة أو يوم العلم .





